لماذا يجب أن تنضم الأمراض العقلية الى قائمة التحديات الكبرى للصحة العالمية ؟

ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تفكر في التحديات الكبرى لقطاع الصحة في العالم ؟

ستفكر في التفشي المعدي و الكارثي لأمراض و أوبئة مثل الإيبولا في غرب أفريقيا خلال عامي 2014 و 2015 أو ربما تركز على التهديدات طويلة الأمد، مثل الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء في المدن الضخمة مثل بكين ونيودلهي، و كذلك مرض السكري المتنامي في جميع أنحاء العالم أو التهديدات الصحية الناجمة عن تغير المناخ ؟

و طبعا هذه كلها مخاوف جدية. ولكن غالبا ما يتم التغاضي عن القاتل الصامت مثل الأمراض العقلية . وبينما نتعامل مع الجانب المادي للحروب والعنف في جميع أنحاء العالم، يجب ألا ننسى العبء الفسيولوجي الذي يمكن أن يستمر لأسابيع و شهور وحتى سنوات.

و كما هو الحال مع جميع الظروف الصحية، فإن أفضل نهج هو معالجة المشكلة قبل أن تتفاقم  وتصبح أزمة. ولكن في بعض الأحيان قد يكون من الصعب إقناع الحكومات، ولا سيما في البلدان الفقيرة، بهذه الحقيقة.

ومع ذلك، هذا هو جوهر الصحة العامة الجيدة. وللقيام بذلك مع الصحة العقلية، يتحتم علينا أن نكسر وصمة العار، ويجب على منظمة الصحة العالمية أن توظف تركيزا دوليا لا هوادة فيه، وهو أمر طال انتظاره.

نحن لا تنفق ما يكفي من المال على المرض العقلي. في المتوسط، فإن 3 في المائة فقط من ميزانيات الصحة الحكومية تستثمر في الصحة النفسية، وتتراوح بين أقل من 1 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل و 5 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل.

بالضافة الى الميزانيات نحن بحاجة إلى أن تدرك حكومات العالم أن الاستثمار في الصحة النفسية هو من المنطق الاقتصادي: كل دولار يستثمر في توسيع نطاق علاج الاكتئاب والقلق يؤدي إلى تحقيق 4 دولار في صحة أفضل وقدرة على العمل.

المرض العقلي يمكن أن يشمل القلق،  الادمان، الفصام و الخرف، ولكن أكثرها شيوعا حتى الآن هو الاكتئاب.حيث أن  أكثر من 300 مليون شخص من سكان العالم يعانون من الاكتئاب حسب تقرير منظمة الصحة العالمية و هذا  عدد كبير و الذي هو في الارتفاع وقد زاد عدد المصابين بنسبة 5 في المئة منذ عام 2005.

مشكلة الإكتئاب

عندما نشعر بالاكتئاب نفقد الطاقة ونصبح أقل قدرة على التركيز. تتغير شهيتنا وأنماط النوم. قد نشعر بعدم القيمة أو الذنب، قد نفقد الأمل ونبدأ بالتفكير في الحاق الضرر بأنفسنا. وفي الواقع  مئات الآلاف من الأرواح قد فقدت بسبب الانتحار كل عام. الناس الذين يعانون من الاكتئاب هم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات وغيرها من المواد المضرة.

كيف يمكن فهم الاكتئاب ومعالجته بشكل أفضل؟ أولا، يجب أن نعترف بالمشكلة. ثانيا، يجب أن نتحدث عن ذلك. ثالثا، يجب أن نضمن أن يتم معالجة المرض بشكل أكثر فعالية.

دعونا نبدأ بالتركيز على الاعتراف. وغالبا ما يتم التقليل من عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب وعواقبه. وحتى في البلدان ذات الدخل الضعيف، لا يحصل حوالي 50 في المئة من المصابين بالاكتئاب على العلاج. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم لا يعرفونه أصلا.

و لذلك فالحديث هو أيضا المفتاح. فيجب أن نتحدث بحرية عن الاكتئاب ومعالجته، ومحاربة الوصم الذي يحيط بجميع الأمراض العقلية. و في كثير من المجتمعات لا يشارك الناس القلق أو الحزن مع العاملين في مجال الصحة لأنهم يشعرون بالحرج، والخوف من أن يصبح موضع سخرية.

كما علينا جميعا أن نعمل معا، كمجتمع دولي لمعالجة هذه المسألة بشكل مباشر. وهذا العام سيكون التركيز من منظمة الصحة العالمية على “الاكتئاب: دعونا نتحدث عن ذلك” .

العلاج هو أمر فعال و ضروري، و كذلك الوصول إليه و الذي عادة ما ينطوي إما على العلاج القائم على الحديث والاستماع، أو الأدوية المضادة للاكتئاب، أو مزيج من الاثنين. ويمكن أن يكون فعالا بشكل ملحوظ، ويمكن توفيره من قبل العاملين في مجال الصحة غير المتخصصين بعد دورة قصيرة من التدريب.

و الأهم من ذلك، يجب أن يشارك المرضى أنفسهم في تخطيط وتنفيذ العلاج. وأنا أعلم أن العاملين الصحيين المدربين تدريبا جيدا يدركون بشكل متزايد أهمية الصحة العقلية، وخاصة الاكتئاب. وقد قامت أكثر من 90 دولة  في العالم، بإدخال أو توسيع نطاق البرامج التي توفر العلاج للاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية.

و تعتبر هذه بداية جدية، ولكن من الواضح أنه يجب تعميم مفاهيم الصحة العقلية في جميع خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. وينبغي لمنظمة الصحة العالمية، من خلال مكاتبها الإقليمية، أن تقود هذا الجهد في البلدان الغنية أو الفقيرة في الحروب أو في السلم.

و تحتاج كذلك منظمة الصحة العالمية إلى مساعدة الحكومات على تحديد النقائص في مجال البحوث وتدريب العاملين الصحيين على المهارات اللازمة ومساعدة الجمهور على تقدير أهمية التشخيص والعلاج الفوريين.